اليوم هو يوم التدوين عن النوبة. كانت النوبة في وقت مبكر من حياتي مجرد ذكر على الهامش أثناء سرد نقل بعض الآثار الغارقة بمساعدة من اليونسكو ووزارة الثقافة إلى آخره. لا أتذكر مطالعة جهود منظمة إعلاميا مثلاً للحديث عن النوبة، بل الأسوأ، فكلما ذكرت النوبة في الإعلام المصري كان يقرن ذلك دائماً بدعاوي الإنفصال المزعومة التي تحصل على الكثير من الأضواء في واحدة من أكثر جرائم الإعلام قذارة، وكأن النوبيين من كوكب آخر.
لا أدعي أني خبيراً استراتيجي في شئون النوبة، ولكني أعلم أن النوبة جزء من مصر، وأن النوبيين مصريون شركاء لنا في الوطن، شركاء مهضوم حقهم تماماً كالمصريين في سيناء، في الواحات، في الصعيد، في خارج القاهرة. فمصر هي القاهرة ولا شيء غير القاهرة، والباقي لا شيء، آتون من الأقاليم متطفلين.
من أكثر الظواهر الكريهة المنتشرة في المجتمع المصري، التنميط، وما يقترن به من عنصرية. ومن سوء حظ النوبيين من المصريين أنه يتم وصمهم بأنهم نوبيين، وبذلك لا يستحقون (إعلاميا وشعبياً) إلا الوظائف الدنيا، بالإضافة إلى وصمهم بلون بشرتهم. وفي نفس الوقت يشتكون مثلاً من عنصرية الخارج ضد المصريين، والعرب، والإسلام. بأي حق تشتكون وأنتم ساكتون على مجتمعكم؟ ألا يعد هذا نفاقاً؟
لا ينجح أي بلد في الدنيا بدون أن يحتوى كل الثقافات الموجود فيه، الاحتواء لا التذويب. فالدول التي لا تقر المواطنة كمعيار تظهر فيها سياسات التذويب في خلق مشاكل عديدة للمجتمع ككل، كنتيجة مباشرة لكبت كل الثقافات المغايرة للثقافة السائدة في المجتمع. ومصر بالذات من الغريب أن يحدث فيها ذلك لكونه لا يوجد ما يسمى بالثقافة السائدة، فالغريب أن النفاق ورفض المصريين لمجرد أنهم مختلفين عنا في تفصيلة ما هو من أجل النفاق لا لشئ آخر.
النوبة أرض في مصر، والنوبيين جزء من مصر، ولهم كل الحقوق مثل كل مصري يعيش في هذه البلد. لهم تاريخ، ووقع عليهم ظلم كل من جاء رئيساً لهذا البلد منذ تهجيرهم قصرياً مع بناء السد العالي، وهذه جريمة في حد ذاتها، ومع ذلك لم يحصلوا على أي شيء مقابل ذلك. ومع ذلك، فلم يتخلوا عن هذا الانتماء. كل ما أتمناه في المرحلة القريبة القادمة أن يتم تمثيلهم تمثيلاً جيداً أثناء كتابة الدستور. وعلى المدى البعيد أن يتخلى المصريون عن عنصريتم البغيضة.
أترككم مع معرض صور عن النوبة هنا :)