الفقه والإفتاء في هذا العصر. موضوع أعتقد أنه لن يسلم من الجدل طالما كان هناك أناس و تعاملات ودين. بداية هذا الجدل في رأيي تكون اللحظة الزمنية التي أغلقت فيها عندها أبواب الإجتهاد في إطار المذاهب الفقهية الأربعة. فأصبحت هذه المذاهب مثل مصادر إعتبارية للتشريع الإسلامي. والنتيجة المنطقية لذلك أصبحت إعطاء قداسة غير مباشرة لهذه المذاهب لدرجة ظهور مسائل فقهية من نوع ما مدى صحة زواج ابنة الحنفي من الشافعي (أي التابعين للمذهب الحنفي والشافعي). ذهلت وأنا أقرأ هذه المسألة. أيصل الأمر بالفقهاء لهذا المستوي من التحجر؟ (وحتي الآن في بعض الدول العربية هناك حساسية في الزواج بين مختلفي المذاهب، يبدو أن العرب ذوو أرقام قياسية في إختراع حساسيات يختلفون علي أساسها).
منذ زمن وأنا أقرأ فتاوي عن مدى حل (من حلال) أو حرمة أشياء مثل فوائد البنوك وما إلى ذلك من الأمور الحياتية وفي ذهني قول رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : "أنتم أولي بدنياكم". وأعتقد أن هذا القول يقتدي من المفتي أنا يكون في دنيا ما يفتي فيه وإلا فهو يفتي بغير علم تبعا للمقولة السابقة. فقد كان الرسول (صلي الله عليه وسلم) يشاور أصحابه المنخرطين في شؤون الدنيا ولم يكونوا في أبراج عاجية أو مكاتب مكيفة مثل بعض المضطلعين بالفتوي اليوم. (هل ستظهر جريدة إسمها الفتوي اليوم يسمح فيها بالإجتهاد؟ أتمني ذلك)
من هذا المنطلق، كيف يأتي عالم دين – أزهري أو لم يكن، ومع كل إحترامي لجميع العلماء – ويفتي في مسألة حياتية دون أن يخبرها جيدا؟ ألم يأمرنا الإسلام في النسائل الفقهية أن نستعين بالطبيب الماهر في بعض أمور الفتوى؟ ألا يوجد هناك مثلا أزهريون في جميع التخصصات العلمية؟ ألا يجدر بالأزهر – وهو ما هو – أن يوكل إلى هؤلاء المتخصصين الفتوي في المسائل الدنيوية الخالصة؟ أريد هنا أن أذكر حكم شهير لسيدنا عمر بن الخطاب وهو إبطال حد السرقة في سنة الجدب (وأحولنا الآن تجاوزت أي جدب).
سمعت مرة من خطيب الجمعة جملة أعجبتني جدا : "الحكم الشرعي يدور مع علته وجوبا ومنعا" والعلة هي السبب. وأرى في هذه الجملة اليسيطة أبلغ تعبير للإجتهاد.
فيا أيها المفتين، أرجوكم. رفقا بالناس فالإنفجار أوشك ولم يتبق إلا شعرة. فاعلموا منزلتكم واعملوا عليها وإلا اتركوها لمن هوا أقدر منكم
يقول الشافعي:"كل يؤخد ويرد عنه إلا رسول الله (صلي الله عليه وسلم)" وأيضا يقول "قولي صواب يحتمل الخطأ وقول غيري خطأ يحتمل الصواب"
19 Responses to الفقه – الإفتاء – العصر